"فكري" هكذا أسمته السيدة العجوز
الفقيرة بعدما وجدته يبكي امام احد المساجد بإحدى القرى.اسمته هكذا لان فكرها كان
مشتتا يومها في كيف ستجد مأوى لها تلك الليلة بعد ان هدم الزلزال منزلها.الطفل
يبدو صغير السن لا يبدو انه قد اتم عامه الثاني بعد. الجو ليس سيئا للغاية
باستثناء بعض قطرات المطر التي تتساقط لتزيد الجو الذي اعتبرته هي باردا فلم يكن
يستر جسدها سوى القليل من الملابس البالية.تيشرت ازرق خفيف وتنورة قصيرة تحتها
"بنطلون جينز" به بعض القطعات يصعب على احد تحديد اذا كان الزمن والرصيف
هما اللذان صنعاها ام ان الشركة المصنعة
قد نثرت تلك القطعات لتتماشى مع احدث صيحات الموضة.
اقتصر مجهود السيدة العجوز على ان تسلمه
لإحدى الملاجيء الفقيرة وتسميه "فكري". طرقت باب ملجأ الرحمة لتسلم
"فكري" لأحد ابناء الملجأ وتعود لتفكر كيف ستقضي ليلتها متمنية ان تكون
تلك اخر ليلة لها في هذه الدنيا فلا تزعجها تلك الفزورة اليومية مرة ثانية.
الملجأ قديم ومهمل ، سيء جدا ولكن مساحته
شاسعة. به عشر حجرات كل حجرة تسع حوالي مائة فرد.بعضهم ممتليء والبعض به مكان
لمزيد من الأيتام ومجهولي النسب. حجرة التجمع لاعضاء الملجأ
كبيرة جدا لونها اصفر متسخ او ربما اللون الاصلي كان ابيض وتحول للأصفر مع عوامل
الزمن.حجرة التجمع خالية معظم الوقت من أي تجمع لأعضاء الحجرات فهم يقضون معظم
اوقاتهم في حجراتهم الكبيرة.
وضع احد الايتام "فكري في سرير ما في
حجرة رقم 8 وطلب من "راضي" في الفراش المجاور ان يتعهد برعايته حتى
يكبر.
مرت اثنتا عشر عام فكري الان عمره 14
عام.حقيقة لم يتغير فيهم اي شيء.نظام الملجأ غريب جدا. أو على الأقل نظام الحجرة
التي يعيش فيها "فكري" فمنذ بدأ يدرك وقد رأى "امام" كبير
الحجرة يأمر وينهي وعلى الجميع السمع والطاعة." إمام" يقال انه التابع
ل"أكرم" الذي يقال انه كان يعيش
في نفس تلك الحجرة قبل وقت مضى ، وكان على اتصال بصاحب الملجأ. يقال أن
"أكرم" هذا كان يتصل به الأستاذ "رؤوف" صاحب الملجأ ليخبره
بما يريد من اعضاء الملجأ ، ولكن يبدو ان احد من أفراد باقي الحجرات لم ينصت
واقتصر المنفذين لإرادة السيد"رؤوف" على حجرة 8. التعليمات التي نقلت
لفكري بواسطة اعضاء الحجرة والتي نُفلت عن "إمام" الذي نقلها عن
"أكرم" الذي نقلها عن استاذ "رؤوف" كان مضمونها كالتالي:
·
يبدأ اليوم منذ الساعة السابعة صباحا والنوم الساعة
التاسعة مساءا
·
العمل في المزرعة المقابلة للحجرة منذ الثامنة صباحا حتى
الرابعة مساءا
·
المحصول بكامله واي منتج يسلم لأكرم أو لمن يخلفه وهذا
مقابل الحياة والاكل والملبس في هذا الملجأ
·
يجب معاملة "أكرم" أو من يخلفه افضل معاملة
ممكنة وطاعته في كل شيء حتى الأمور الخاصة بكل فرد.وأي رفض لأوامره هو رفض لأوامر
الأستاذ رؤوف.
·
يحذر التعليم أو العمل خارج الملجأ
·
يحذر التعامل مع بقية افراد الملجأ فهم متمردين على
الأستاذ رؤوف ولي نعمتهم
·
يجب ان تكون الكلمة العليا لحجرة 8 في هذا الملجأ فهي
الحجرة التي تنفذ وتتبع تعليمات صاحب الملجأ.
كانت هذه الخطوط العريضة لتعليمات حجرة 8
ولكن التعليمات لا تقتصر على ذلك فكل اوامر وكلام "أمام" تعليمات مماثلة
لنفس التعليمات السابقة واتباعها واجب على الجميع.
سأل "فكري" يوما ما: ماذا لو لم
أتبع تلك التعليمات؟
فنظر
له امام بغضب ورد: "انت في حجرة 8 انت مجبر على اتباع القواعد الخاصة بالملجأ
والحجرة"
فكري: وماذا لو فعلت او انضممت لأي حجرة اخرى
أو تركت الملجأ
إمام: أتريد أن تترك الحجرة وتخرج عن طوع
الاستاذ "رؤوف" الذي يأويك ويحنو عليك؟أتعلم أن استاذ رؤوف لا يشغله في
تلك الحياة سوى امرنا.هو يعيش فقط لكي يضمن لنا الراحة والسعادة.
فكري: بالطبع لا.. انا فقط أسأل. أنا أعلم أن
الأستاذ"رؤوف" هو شخص رائع وانا مدين له بكل شيء من أكل وملبس ومسكن.فقط
أردت أن اعرف تباعيات ذلك كنوع من الفضول ليس الا.
إمام: التباعيات ببساطة هي أن الاستاذ
"رؤوف" طيب ومعطاء ولكنه أيضا واصل وذو نفوذ.وان ذهبت لأي مكان سوف يعرف
طريقك ويضعك في البدروم تحت هذا الملجأ بقية أيام حياتك.حيث المجاري والرائحة
الكريهة والجوع والذل والعطش. هذا عقاب من يخرج عن طاعته.
ارتجف "فكري" رعبا ورد قائلا: لكنك
ذكرت مسبقا انه طيب وحنون ولا يهمه سوى أمرنا وراحتنا.فكيف يفعل ذلك بمن يخرج من
الملجأ أو يترك الحجرة ويلتحق بأخرى؟ثم أنه لا يوجد بدروم ولا دور ثاني لهذا
الملجأ ليوجد أي قصر أو حجرة تعذيب فيهما.
إمام: هههههههههه الاستاذ رؤوف ليس شريرا على
الاطلاق فكما ان هناك هذا البدروم هناك هذا القصر في الدور الأعلى من الملجأ مخصص
لكل من يتمون فترة وجودهم بالملجأ ويعملون في المزرعة بجد واجتهاد. وهو ليس شرير
فقد ارسل تحذيره وتعليماته للسيد "أكرم" ومن يرفض تعليماته عليه أن
يتحمل النتيجة.أما عن البدروم والقصر فقد شيدهما الأستاذ رؤوف بإمكانيات رائعة
وأحدث تكنولوجيا كي لا تراها لكنهما موجودان بالطبع.
فكري: لقد قلت مسبقا ان الاستاذ
"رؤوف" من أغنى الاغنياء.لماذا اذا يحتاج ان نعمل له في تلك المزرعة؟
إمام: هو لا يحتاج منا شيئا لكن يجب علينا ان
نعمل له كنوع من الامتنان.
فكري: ولكنه لا يحتاج لهذا العمل ويبدو من
كلامك انه ليس امتنان فهو مرهون بمكافأة او عقاب.يبدو كأنه عمل ضروري
إمام: انت لازلت صغيرا لا تعلم كيف يفكر
أستاذ "رؤوف" ولكن يجب ان تعلم ان كل مايفكر فيه هو لمصلحتك وانه يحبك
جدا.
فكري:لو كان يحبنا ولا يفكر شيء سوى اسعادنا
لماذا يترك الملجأ بتلك الحالة البالية؟
إمام: الملجأ هذا كان قصرا ولكن من سبقونا
كانوا مهملين دمروا كل شيء وتركونا نعاني.
فكري: لماذا لا يجدده
الاستاذ"رؤوف" الذي يحبنا ولا يفكر في شيء اخر غيرنا. لماذا نعاني بسبب
مارتكبه من سبقونا.
إمام: ههههههههههههههه اتريده أن يجدد المكان
كل عشر سنوات مثلا ويصرف عليه الالاف؟
فكري: ولما لا فهو غني جدا ولا يفكر في شيء
غيرنا؟
إمام: انت تفكر بطريقة سطحية يا فكري
فكري: سؤال اخر. لماذا لا يزورنا او يتصل بنا
أو يخبرنا أستاذ "رؤوف" بما يريده أو يطمئن علينا ؟
إمام: لقد اتصل بالسيد" أكرم" من
قبل وأبلغه بكل مايريد. وأنا موجود عامة في حال رغبت أي شخص في معرفة أي شيء
فكري:لماذا لا يتصل بك أو بأي شخص اخر؟يطمئن
علينا ، يخبرنا بأي شيء يريده، يجيب عن الأسئلة التي لا تقدر انت على اجابتها،
يذكرنا انه لازال يحبنا، يخبرنا انه فعلا كان يتصل بالسيد "أكرم"
وقبل أن يرد "إمام" اذ بصوت صراخ
وعراك في حجرة التجمع. إشتباك بين أفراد حجرة 8 وحجرة 9. أصوات اصبحت طبيعية في هذا
المكان الهمجي. يخرج على اثرها افراد كل حجرة لنصرة اصدقائهم حتى تأتي ساعة نوم
احد الحجرات فينتهي العراك.وعلى اثر الضجة صرخ "إمام" اخرجوا اضربوهم
خرج الجميع بحماس و"أمام" يشاهد من بعيد. كان فكري يحاول ضرب ذلك الشاب
الضخم المتعلق برقبة "راضي" رفيق حجرته، فلكمه الشاب في وجهه ليعود
لحجرة 8 ويعود معه بقية الحجرة بعدما اطلق احد افراد حجرة 9 صافرة موعد النوم.
راضي: أشكرك
على المساعدة
فكري: لا شكر على واجب. فأنت من سبق
بالمساعدة منذ جئت انا لهذا المكان صغيرا
راضي: انا لا شيء كله بفضل تعليمات استاذ
"امام" وأكرم" وكله بفضل عطاء استاذ "رؤوف"
فكري:لماذا لا نتوقف عن كل هذا العراك مع
باقي افراد الحجرات لماذا لا نعيش في سلام
راضي: لأنهم اشرار يكرهوننا ويكرهون استاذ
"رؤوف" صاحب الفضل عليهم ولا ينفذون تعليماته
فكري: ولماذا نهتم؟
راضي: لانه طلب منا ان نهتم
فكري: الم تلاحظ شيئا ؟
راضي: مثل ماذا
فكري: حجرة 9 لهم موعد للنوم ايضا ملتزمون به
ويتبعون صافرة الموعد.انهم ينفذون تعليمات استاذ رؤوف
راضي: تعليمات استاذ رؤوف ان النوم الساعة
التاسعة. وهم ذهبوا للنوم في الساعة الثامنة
صمت فكري واراح ظهره على سريره وبدأ يفكر
متأملا في سقف الحجرة على انغام صوت بعض اعضاء الحجرة المتألمين مما اصابهم في
معركة اليوم ممتزجة بصوت شَخير النيام والتي كانت اعلاها صوت "إمام"
الذي غرق في نومه بعد دقائق من نهاية المعركة وكأنه متعبا من العراك أو من العمل
رغم انه هو الوحيد الذي لا يعمل في أي يوم.
الساعة الثالثة صباحا. "فكري" لم
ينم بعد. هو يخطط لشيء ما. فقد قرر ان يعرف ماذا يحدث في باقي الحجرات.من هم هؤلاء
الناس وكيف يفكرون.ترك سريره وحجرته وتسلل لحجرة 9. فتح بابها في هدوء شديد.
الحجرة كبيرة جدا جدا اكبر من حجرة 8 الكبيرة ايضا. دخل زاحفا على بطنه بحرص شديد
فهو يعلم تماما ماقد يحدث له لو شعروا به بل وماذا سيفعل به ايضا اصدقاؤه من حجرة
8 لو علموا انه ذهب لحجرة 9.
بدأ يتسلل "فكري تحت الأسِرَة لعله يسمع
شيئاً حتى وصل بالزحف تحت سريرين عليهما شاب يخاطب طفل يشرح له تعاليم الحجرة بدأ
"فكري" ينصت بكل حرص ما يقال.فسمع الشاب الكبير يقول:
·
يبدأ اليوم منذ الساعة السادسة والنصف صباحا والنوم
الساعة الثامنة مساءا
·
العمل في المغزل المقابل للحجرة منذ السابعة والنصف
صباحا حتى الرابعة مساءا
·
الإنتاج يسلم ل"سليم" أو لمن يخلفه وهذا مقابل الحياة والاكل والملبس
في هذا الملجأ
·
يجب معاملة "سليم" أو من يخلفه افضل معاملة
ممكنة وطاعته في كل شيء حتى الأمور الخاصة بكل فرد.وأي رفض لأوامره هو رفض لأوامر
الأستاذ "سمير".
·
يحذر التعامل مع بقية افراد الملجأ فهم متمردين على
الأستاذ "سمير" ولي نعمتهم
·
يجب معاملة افراد الملجأ معاملة جيدة الا من يحاول الاعتداء
على افراد حجرة 9
·
من يخالف التعليمات فمصيره المحتوم سيحدث عندما يأتي
أستاذ "سمير" للملجأ حيث سيتحول الملجأ في لمح البصر لنصفين نصف سيتحول
لقصر والنصف الاخر لمكان موحش لتعذيب اعضاء الحجرات الاخرى والعاصين من حجرة 9.
حاول فكري أن يتمالك نفسه من الضحك بعد سماع
تلك الخزعبلات. علم ان اعضاء حجرة تسعة مغيبون تماما يؤمنون بخرافات ويظنون أن
شخصا يدعى "سمير" هو من بنى الملجأ لا يعلمون ان أستاذ "رؤوف"
هو الذي بناه.
عاد فكري لحجرته وقرر أن يعيد نفس التجربة مع
باقي الحجرات، فعلم أن باقي الحجرات ايضا مثل حجرة 9 لكل منها قوانينه وصفاته وعرف
اسماء مؤسس الملجأ من وجهة علم كل حجرة "سمير" "طارق"
"رأفت" "رمزي" ولكنه يعلم أن اعضاء كل هذه الحجرات مغيبين. لا
يعلمون ان أستاذ "رؤوف" هو صاحب هذا الملجأ. وسيصدمون عندما يعلمون
الحقيقة ، وحينها لن ينفع الندم عندما يُلقون كلهم في البدروم حتى يموتون.
ظل فكري يفكر بنفس الطريقة إلى أن سأل نفسه
سؤال. ماذا لو ان من فتح الباب في تلك الليلة التي جاءت فيها السيدة العجوز فرد من
حجرة 9 أو 5 أو 3 هل كان سيعلم أن أستاذ "رؤوف" هو صاحب الملجأ.أدرك انه
لو كان وضع في حجرة 9 لكان سيؤمن أن أستاذ "سمير" هو صاحب الملجأ وكان
سيشارك في أي معركة ضد حجرة 8 لمحاولة اعلاء أمر استاذ "سمير" صاحب
الملجأ.أيقظ "فكري" صديقه "راضي" ليدور بينهم هذا الحوار.
فكري: لماذا انت متيقن بكل ما يقوله لنا "امام"؟
راضي: لانه نقله عن "أكرم" الذي
نقله عن أستاذ "رؤوف"
فكري: وما أعلمك بصدق "إمام" و
"أكرم"
راضي: لأنهم صالحين ولأن أكرم كان شخصا حكيما
صالحا
فكري: وما اعلمك انه كان شخصا حكيما او لماذا
لو هو شخص حكيم يجب ان نصدق كلامه؟
راضي: ولماذا يكذب؟
فكري: للكذب دوافع كثيرة. هل تعلم ان لكل
حجرة شخص مثل "إمام" و"أكرم" و"رؤوف" فقط بأسماء
وصفات مختلفة وتعليمات مختلفة
راضي: ولكنهم كاذبون "إمام"
و"أكرم" هم الصادقون
فكري: دعني أعيد عليك نفس سؤالك . لماذا يكذب
هؤلاء الناس ايضا؟
راضي: لأنهم اشرار
فكري: ولكن اعضاء الحجرات تلك متأكدون انهم
صالحين وحكماء تماما كما انك متأكد من صلاح وحكمة "أكرم" واذا كان 9 من
ال 10 حجرات خطأ فلماذا لا نكون نحن من ال 9 الخطأ أو لماذا لا يكون ال 10 خطأ.
ولماذا لا يتصل "رؤوف" بشخص اخر أو يكلمنا أو يأتي او يرسل عقد ملكية أو
أي شيء. كيف ينتظر من باقي الحجرات أن تتبع تعليمات "أكرم"؟
راضي: أتحاول أن تقنعني أن هذا الملجأ لا
صاحب له؟
فكري: ليس بالضرورة ربما هناك صاحب او ربما
هو قديم جدا مات صاحبه أو لماذا بالضرورة نفترض اذا كان له صاحب انه بهذه الصفات
العجيبة وأن هناك ادوارا مخفية وبدروما مخفي وانه توقف عن الاتصال بنا أو حتى
ابلاغنا بأي شيء. كيف سيعذب افراد باقي الحجرات وهم قد حاولوا ارضاؤه ايضا بحسب
علمهم؟ وماذا فعل لهم ليخبرهم بتعليماته
او يعطيهم فرصة لاثبات حسن نواياهم.هم يتبعون مايظنون انها تعليمات صاحب
الملجأ.الموضوع خزعبلي غير مصدق.
راضي: انت تريد ان تنكر وجود استاذ "رؤوف" وماذا
بعد؟ اتريد ان يستيقظ الجميع في اي موعد وتُهمل المزرعة ونموت جوعاً وينتشر
العراك؟
فكري: بالعكس انا اتخيل ملجأ بدون قواعد
"اكرم" بقوانين نضعها نحن لا يضعها شخص اخر.قوانين ترضي الجميع لاترضي
"اكرم" فقط. انا اريد ان ينتهي العراك.
راضي: ماذا تريد تحديداً
فكري: قررت ان أرحل وستأتي انت معي
راضي: انت مجنون.لن ارحل ولن اخرج عن طاعة
استاذ"رؤوف" ولي نعمتي
فكري: اذا سأرحل انا
رامي: ارحل ولكنك ان رحلت وكنت انا على صواب
فعقابك سيكون كبيرا. أما انا فلن أخسر شيئا
فكري: وماذا ان كان اي من باقي الحجرات هو
الصحيح الن يكون حالنا واحد؟ثم تقول انك لن تخسر شيئا؟ انت مقيد تعيش بأوامر
وتعليمات وفكر شخص اخر عاش من سنين.انت لا تفكر كإنسان انت تعيش في الوحل كالانسان
الالي تحكم على كل شيء وتعيشه كما امرك "أكرم" انت تعيش في وحل وتقول لن
أخسر شيئا؟ انت خاسر في الحالتين.
في فجر اليوم التالي خرج "فكري" من
الملجأ لم يأخذ شيئاَ. هو خائف مرتعب فاذا حدث له شيئا او تعرض له اي شخص فهو الان
خارج الملجأ ولن يساعده استاذ "رؤوف" كما كان يتابعه ويساعده. ولكن لحظة....
استاذ رؤوف لم يكن يساعده هو فقط كان يشعر بالإطمئنان لانه يظن انه سيساعده في وقت
الشدة.لحظة... يبدو اذا انه عاش 14 عام بدون حاجة لاستاذ رؤوف...ربما لا حاجة
اساسا لاستاذ "رؤوف" ربما هو والبشر الخيرين يكفيان بعبور رحلة الحياة
بدون عون استاذ "رؤوف" .
ظل فكري هائما على وجهه حتى وجد مزرعة صغيرة
فنام هناك.بعد ساعتين ايقظه رجل عجوز يبدو كصاحب المزرعة. حكى له قصته فأشفق عليه
صاحب المزرعة وأخبره انه سيحضر له فطورا وتركه.
وقف فكري على قدميه ونظر للمزرعة الصغيرة
المغطاة بمحصول الذرة الذي اقترب موعد حصاده.ماهذا الجمال؟ هي ليست اجمل كثيرا من
مزرعة الملجأ ولكنه يراها بعين اخرى.ادرك فكري ان الحياة بها الكثير وما هو اكبر
بكثير من "أكرم" و"رؤوف" اصبح يرى الدنيا بشكل جديد كأنه ولد
اليوم. هو حزين على ما مضى من وقت ولكنه سعيد بعدما تغير شكل كل شيء بعدما توقف عن
رؤيته بنظارة "أكرم".بداخله قليل من الشك. ماذا لو طارده
"رؤوف" ذو النفوذ. أو ماذا لو كان "رؤوف" فعلا يحبه ولذلك
أرسل له صاحب تلك المزرعة أو اوصاه بحسن معاملته. أو ماذا لو أوصاه ان يضع له سما
في الفطور؟ هو لا يعلم ولكن "رؤوف" هذا يبدو انه عنيف لا يرحم من يخرج
عن طوعه.
صوت من بعيد: الفطووووور. وصاحب المزرعة قادم
ومعه لوح كبير عليه فطير وزبد وجبن وبيض و غيره. الطعام له مذاق مختلف.فكري لا
يعلم هل هو فعلا مختلف ام انه يتذوقه بشكل مختلف فهو يتذوقه اليوم كما يريد أن
يتذوقه. فقد كان يفعل كل شيء كما يريد "أكرم" يقرأ كما يريد
"اكرم" يفعل يفكر يتحرك يمشي ينام كل شيء كان كما يريد
"أكرم".ينظر وسط الذرة ويسأل نفسه: ماهذ الكم من العبودية التي كنت فيها
لقد كنت عبداً للا شيء؟ من شخص لا اعرفه ولم اراه كما لم يرى اي من اعضاء الحجرات
هؤلاء الاشخاص الذين استعبدوهم.
مرت الأيام "فكري" يعمل في مزرعة
"راشد" صاحب المزرعة بكل اجتهاد.فكري بدأ يدرس وهو يعمل. انهى مرحلته
الثانوية. كل شيء يراه يؤكد له ان "رؤوف" خرافة. كان يخاف احيانا فربما
رؤوف يتركه ليسعد بحياته كنوع من التغفيل ثم سيأتي ويعذبه وينتقم منه اشد انتقام. سأل
نفسه لماذا كانوا يخبرونه ان"رؤوف" قد منحه تلك الحياة والمسكن البالي
فيجب ان يطيعه ويعيش لأجله. هاهو "راشد" قد ساعده لم يهدده بعقاب ان لم
يظل معه او يفعل مايحلو له في حياته.لماذا هناك الكثير من الناس الافاضل يقدمون
خدمات ومساعدات بلا شرط الاستعباد بينما "رؤوف" هذا يريد استعباد كل من
في المكان.هم حتى لم يختاروا ان يأتوا لهذا الملجأ ولم يطلبوا منه ان يأويهم.القت
بهم الصدفة في هذا الملجأ فأصبحوا سجناء هذا العقد الذي يخيرهم بين العبودية او
العذاب. عقد من طرف واحد.
التحق
بكلية الزراعة.ساعده "راشد" لشراء مزرعة مجاورة بما ادخره
"فكري" والاشراف على المزرعتين معا.انهى فكري جامعته وتعين مدرسا بها
ومزارعهه تزداد وحياته تزدهر.
جلس "فكري" يفكر بعد إحدى
المحاضرات. لقد نسى قصة "رؤوف" تماما ، ولكن لم ينسى ملجأ الرحمة. فهو
مسئول انسانيا ان ينقذ هؤلاء الناس.بدأ فكري بحثه عن صاحب مبنى الملجأ. علم انه قد
توفي منذ زمن والورثة سافروا للخارج ولا يهتمون لاملر الملجأ.والذي اضحك فكري هو
ان اسمه لم يكن اي من الاسماء التي تداولها اعضاء الملجأ. بدأ فكري الاتصال بالورثة
واشترى الملجأ. لم يكن الامر سهلا ولكنه كان مؤمنا انه يفعل شيئاً مهما.
اخذ "فكري" عقد الملجأ وعين بعض
الحراس لمدة يوما واحدا وذهب متوجها للملجأ. طرق الباب فتح له احدهم. بدأ ينظر
داخل الملجأ، كل شيء كما هو.يعيشون نفس حياتهم غارقون في نظامهم وعراكهم.دخل فكري
ثم امر حراسه بالنداء على كل من في الملجأ من حجراتهم ليجتمع الكل في مكان
واحد لأول مرة.
فكري : انا صاحب الملجأ.
بدأ الحاضرون يرددون اسماء أنت
"رؤوف" انت "سمير" انت... انت... انت.... لم يذكر اي منهم
اسمه سوى شخص واحد فقط: "راضي" وكان قد كبر واصبح مشرفا على اعمال مزرعة
الحجرة في مقابل امداده بالغذاء والملبس والمسكن.هكذا كان طموحه كي ينال رضا استاذ
"رؤوف"
فكري: نعم انا فكري. كنت عضوا بالملجأ وهو
الان ملكي.
رد الجميع: اين عقود ملكيتك؟
فكري: لم ترون اي عقود ملكية ولم تروا صاحب
الملجا وكنتم على يقين انه هو بصفاته واسمه التي اخبروكم بها والان تطلبون العقود.
عامة هذا عقد الملكية فأنا موجود وامتلك الملجأ لا داعي لي ان اخفي ادلة وجودي او
امتلاكي فأنا حقا اهتم لأمركم.
بعض من قاطني الملجا اقتنع والبعض الاخر لم
يقتنع وشك انها ربما خدعة ماكرة من صاحب الملجأ الاصلي ليختبر ولائهم ثم يأتي ويذل
كل من يستمع لكلام "فكري" كم هو صعب ان تنزع عقيدة من اي شخص تربى
عليها.حاول قادة الحجرات اثارة البقية على "فكري" ولكن حراسته بأسلحتها ارعبت
الجميع فلم يجرؤ احد على فعل شيء.
فكري: من الان سيكون هناك نظام اخر للملجأ
سنضعه جميعا لمصلحة اعضاء الملجأ. انا لا اهتم ان كان بعضكم لا يصدق انني صاحب هذا
الملجأ. فالامر لا يهم الا شخصا تافهاً. والامر لا يقتضي عذاب وانتقام فانا اكبر
من ان أأتي لاعاقب شخصا انكر امتلاكي لمبنى. وقولكم اني صاحبه او لا لن يغير من
حقيقة امتلاكي له. ودعني اخبركم امتلاكي او بنائي لمبنى مهما كان عظيما ليس شيئا
بهذه الاهمية من الاساس لأشعر انني شخص ذو قيمة. فليصدق اي منكم ان صاحب الملجأ هو
"رؤوف" أو غيره ولكن ستسري
قوانين لا تفرق بين احد نضعها نحن. وأي تعدي عليها عقابه بالقانون الذي يحكم من هم
خارج الملجأ لا استثناءات.تصديقك لأي معلومة حق ليك لكن سيمنع اي فعل يحقر او يقلل
او يعادي اي من في الملجأ.من حق كل شخص ان يدرس او يعمل او يقرأ في اي شيء. من
يريد العمل في المزرعة او المغزل او اي مكان تابع للملجأ سيتقاضى اجرا تماما
كالعاملين خارج الملجأ والناتج يدخل في خزينة الملجأ ليعم بالتساوي على الجميع دون
تفرقة بين الحجرات أو الافراد.
جلس فكري معهم وبدأوا بالاتفاق على شروط
الملجأ وتعيين ملاحظين بالتناوب بين الاعضاء ثم خرج وقد اعتبر انه قام بأسمى عمل
في حياته.